توضح نسريـن مالك أنّ لقاءها الأول مع قائد فريق الجزيرة في غزة، تامر المسحال، جرى في يوليو الماضي بعد أن دفن الفريق صحفيين اثنين هما حمزة الدحدوح وسامر أبو دقّة. أخبرها المسحال أنّ زملاءه كانوا جائعين ويبحثون عن معدات وقاية، ويواجهون تهديدات من جيش الاحتلال الإسرائيلي وفقدان أفراد أسرهم. إسماعيل الغول لم ير زوجته وطفله منذ شهور وكان يفتقدهما بشدة، بينما كان حسام شبات ومحمد قريقع وأنس الشريف يطلبون وقتاً للبحث عن الطعام صباحاً قبل أن يبدأوا عملهم. واليوم، كما تذكر، رحلوا جميعاً.

ويشير تقرير الجارديان إلى أنّ هؤلاء الصحافيين، بمن فيهم وائل الدحدوح الذي خسر زوجته وثلاثة من أطفاله وحفيده، اعتبروا عملهم واجباً لا بد من أدائه رغم الخطر. بعضهم تلقى تهديدات مباشرة؛ أنس الشريف حذّره جهاز الاستخبارات الإسرائيلي وطلب منه التوقف عن التغطية، لكنه رفض فاستُهدف والده في غارة. إسماعيل الغول رفض نصيحة وائل الدحدوح بالتنحي عن المهمة حفاظاً على أسرته، فاستُهدف هو نفسه بضربة قاتلة.

وتبرز الكاتبة أنّ النقاش العالمي حول اغتيال هؤلاء الصحافيين انشغل باتهامات واهية حول صلاتهم بالمقاومة، بدلاً من الاعتراف بمستواهم المهني. صحافيو غزة، كما تقول، صاغوا لغة إعلامية عربية رفيعة، عبّروا بها عن المأساة اليومية بدقة واتزان أمام الكاميرا. قدرتهم على الثبات، حتى في لحظاتهم الأخيرة، تكشف عمق رسالتهم. نص أنس الشريف الأخير، على سبيل المثال، حمل تعبيراً عن الحصار الخانق ليس جسدياً فحسب بل صوتياً، في إشارة إلى محاولات إسكات الفلسطينيين.

وتوضح مالك أنّ هذه الصحافة ليست مجرد نقل أحداث، بل التزام وجودي حتى لو قاد إلى الموت. إسرائيل، بحسبها، لا تسعى فقط إلى وقف الصور والأخبار بل إلى محو الصورة الإنسانية التي ينقلها هؤلاء الإعلاميون للعالم. فكلما غاب الراوي الموثوق، يسهل ترويج الرواية الإسرائيلية التي تبرر القصف والتجويع وتدّعي أنّ غزة تعج بالمقاتلين بلا شهود محايدين.

وتشير الكاتبة إلى تحقيق نشره موقع " +972 " بالتعاون مع "لوكال كول"، كشف عن وحدة عسكرية إسرائيلية تُسمى "خلية شرعنة"، وظيفتها وسم صحافيي غزة بأنهم عناصر في حماس لتقويض الغضب العالمي على قتلهم. مصادر التحقيق أوضحت أنّ هذه الجهود يقودها غضب من أنّ هؤلاء الصحافيين "يشوّهون صورة إسرائيل أمام العالم".

كما تنتقد اعتماد وسائل الإعلام الغربية على رواية إسرائيل، حتى بعد تكرار الأكاذيب. الجيش الإسرائيلي زعم أنّ مسعفين قتلوا لأنهم "تقدّموا بشكل مريب"، لكن جرى العثور عليهم مقيّدين وبآثار إعدامات. وزعم أنّ حماس تسرق المساعدات لتبرير الحصار، بينما مصادر داخلية في الجيش نفسه نفت ذلك. ومع ذلك، تواصل وسائل الإعلام تقديم هذه الادعاءات كأنها معقولة، ما يزرع الشكوك حول حقيقة ما يجري.

وتصف مالك هذا السلوك بأنه "خداع ممنهج" يفقد إسرائيل أهليتها كمصدر موثوق، لكن الغرب لا يزال يعرض رواياتها على قدم المساواة مع روايات الضحايا. بيانات وزارة الصحة في غزة تُعرض دائماً بصفة "تدار من حماس"، بينما تصريحات نتنياهو لا تُسبق بصفة "مطلوب لدى المحكمة الجنائية الدولية". هكذا يُحرم الصحافيون الفلسطينيون من الاعتراف بهم كأصحاب رواية موثوقة، ويُدفن صدقهم معهم.

ومع ذلك، تؤكد الكاتبة أنّ في غزة دائماً من يواصل التغطية رغم إدراكه أنه هدف مباشر. كل من يرتدي سترة الصحافة هناك يتحول إلى هدف، لكنه يصر على حمل الكاميرا ونقل الحقيقة. هؤلاء يواصلون نقل الصورة للعالم، محملين وحدهم عبء الشهادة على ما يحدث، حتى فيما تُحاصر أصواتهم وتُخنق أنفاسهم.

بهذا، تُبرز مالك أنّ استهداف الصحافيين في غزة ليس مصادفة بل سياسة تهدف إلى إسكات رواية الفلسطينيين، فيما تبقى أصوات المراسلين المحليين، رغم الفقد والخطر، شاهداً لا يمكن طمسه على المأساة المستمرة.
 

https://www.theguardian.com/commentisfree/2025/aug/18/israel-gaza-war-journalist-killed-safety-al-jazeera